وقوله:«وإن تركه غير حائض رجع إليه»، ظاهره وجوب الرجوع قرب أم بَعُدَ ما لم يشق، وأنه إذا رجع ولو من بعيد سقط عنه الدم، لكن المذهب أنه إذا جاوز مسافة القصر استقر عليه الدم، سواء رجع أو لم يرجع، وكذلك لو وصل إلى بلده، فإن الدم يستقر عليه، سواء رجع أم لم يرجع، وعلى هذا فأهل جدة لو خرجوا إلى جدة قبل طواف الوداع، ثم رجعوا بعد أن خف الزحام وطافوا فإن الدم لا يسقط عنهم؛ لأنه استقر بمسافة القصر، أو بوصوله إلى بلده، حتى ولو فرض أن أناساً من بلد دون جدة كأهل بحرة، وصلوا إلى بلدهم استقر عليهم الدم.
وقوله:«فعليه دم». الدليل على وجوب الدم الأثر المشهور عن ابن عباس ﵄ أنه قال:«من ترك شيئاً من نسكه، أو نسيه فليهرق دماً»(١)، وهذا نسك واجب أمر به النبي ﷺ، فيكون في تركه دم، وهذا الأثر مشهور عند العلماء واستدلوا به، وبنوا عليه وجوب الفدية بترك الواجب، وقالوا في تقرير هذا الدليل: إن هذا قول صحابي ليس للرأي فيه مجال فوجب العمل به؛ لأن قول الصحابي الذي ليس للرأي فيه مجال يكون له حكم الرفع.
وقال بعض العلماء: يمكن أن يكون صادراً عن اجتهاد، ويكون للرأي فيه مجال، وجهه أن يقيس ترك الواجب على فعل المحرم، أي فعل محظورات الإحرام التي فيها دم؛ لأن في الأمرين معاً انتهاكاً لحرمة النسك، فترك الواجب انتهاك