ثانياً: أن المنافع تجوز المعاوضة عنها، فإذا كانت تجوز المعاوضة عنها فإنه يجوز إقراضها، مثل ما أقول للعامل: اشتغل عندي بأجرة قدرها كذا وكذا، فهو عمل يصح العقد عليه ويقابل بالعوض، فتشتغل عندي يوماً وأشتغل عندك يوماً آخر، والاختلاف اليسير لا يضر، لأنه قد تختلف منافع هذا عن منافع هذا، والاختلاف الكثير لا يرضى به.
قوله:«إلا بني آدم» فإن بني آدم يصح بيعهم ولا يصح قرضهم، ويعني بذلك المماليك، فإذا كان عند الإنسان مملوك فإنه يصح بيعه لا شك لكن لا يصح قرضه؛ لأنه لم تجر العادة بذلك، ولما في هذا من الإذلال للمسلم؛ ولأنه يخشى من الفتنة والفساد، فيخشى أن يقترض الإنسان أمة ثم يجامعها لمدة أيام ثم يردها؛ لأن الإنسان إذا رد القرض، وجب قبول عينه، فيفضي إلى أن يستقرض الإنسان أمة، ثم يجامعها مدة أيام، ثم يردها إلى مالكها.
وقال بعض العلماء: يصح قرض الذكر للذكر، يعني أن يقرض الإنسان رجلاً مملوكاً لشخص؛ وذلك لأنه مأمون أن يفعل به شيئاً، ولو أقرضت أنثى لأنثى فلا بأس، ويصح أن يقرض امرأة لمحارمها، ولكن هذا فيه إشكال؛ لأنه سيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ في باب العتق أن من ملك ذا رحم محرم عليه فإنه يعتق عليه.
على كل حال استثناء المؤلف بني آدم له وجه، فيقال: بنو آدم يصح بيعهم ولا يصح قرضهم.