فأهل القربة هم المسلمون؛ وذلك لأن الكفار مهما خشعوا وبكوا وذلوا أمام صنمهم فإن ذلك ليس بقربة، ولهذا يذكر أن النصارى في كنائسهم يخشعون خشوع المسلمين في مساجدهم، بكاء، ونياح، وعويل، لكن لا ينفعهم هذا، حتى قال بعضهم في قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ *عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ *تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً *﴾ [الغاشية] إن هؤلاء هم النصارى في كنائسهم، لكن هذا على كل حال غير صحيح؛ لأن الآية صريحة بأن ذلك يوم القيامة: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ *﴾ ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ﴾ [الغاشية: ١ ـ ٢].
على كل حال الكافر لا يمكن أن يكون من أهل القربة، فإن قال قائل: أرأيتم لو أن كافراً بنى مسجداً للمسلمين أتجوز الصلاة فيه؟ هو لا يقبل منه ولا ينفعه حتى لو صلينا فيه ليس له أجر، لكن نحن لا نمتنع من الصلاة فيه؛ لأن الرسول ﷺ قال:«جعلت لي الأرض مسجداً»(١) نعم إن خفنا أن يريد هذا الكافر أن يصطاد بالماء العكر، أو أن يضفي مِنَّةً على المسلمين ويقول يوماً من الدهر: نحن الذين بنينا لكم المساجد، فهنا يجب علينا أن نهجر هذا المسجد، ويجب على المسلمين أن يتعاونوا في هذا وأن لا يخون بعضهم بعضاً، أما إذا كان هذا الرجل الكافر معروفاً بالكرم وأنه يعطي هذا وهذا ولا يبالي ولا يمن، ولا يرى أن له فضلاً فلا بأس ولا مانع.
(١) أخرجه البخاري في التيمم/ باب (٣٣٥)؛ ومسلم في الصلاة/ باب المساجد ومواضع الصلاة (٥٢١) عن جابر ﵁.