للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلَّلوا: بأن هذا يشقُّ التَّحرُّز منه غالباً، فإِنَّ النَّاس في البادية تكون أوانيهم ظاهرةً مكشوفةً، فتأتي هذه السِّباعُ فتردُ عليها، وتشرب. فلو ألزمنا النَّاس بوجوب إراقة الماء، ووجوب غسل الإِناء بعدها لكان في ذلك مشقَّة.

والأحاديثُ في ذلك فيها شيء من التَّعارض. فبعضها يدلُّ على النَّجاسة، وبعضها يدلُّ على الطَّهارة ....

فممَّا وَرَدَ يدلُّ على الطَّهارة، حديث القُلَّتين الذي رواه ابن عمر أن النبيَّ سُئِلَ عن الماء، وما ينوبُه من السِّباع؟ فقال: «إِذا بلغ الماء قُلَّتين لم يحمل الخَبَث» (١)، ولم يقل بأن هذه طاهرة، بل جعل الحكم منوطاً بالماء، وأنه إِذا بلغ قُلَّتين لم يحمل الخبث، فدلَّ ذلك على أن ورود هذه السِّباع على الماء يجعله خبيثاً لولا أن الماء بلغ قلتين.

وفيه أحاديث أخرى، وإن كان فيها ضعف، لكن لها عِدَّة طرق تدلُّ على أن آسار البهائم طاهرة، حيث سُئِلَ النبيُّ عن ذلك فقال: «لها ما حملت في بطونها، ولنا ما غَبَرَ طَهور» (٢)، وهذا يدلُّ على الطهارة.

ويمكن الجمع بين الحديثين، فيُقالُ: إِن كان الماء كثيراً لا


(١) تقدم تخريجه، ص (٤٠).
(٢) رواه ابن ماجه، كتاب الطهارة: باب الحيض، رقم (٥١٩)، والطَّحاوي في «شرح المشكل» رقم (٢٦٤٧)، والدارقطني (١/ ٣١)، والبيهقي (١/ ٢٥٨).
قال الطحاوي بعد روايته: «ليس من الأحاديث التي يحتج بمثلها، لأنه إنما دار على عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وحديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف». وضعفه كذلك البيهقي والبوصيري وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>