على أن الرضاع مؤثر في تحريم المصاهرة يوجب للإنسان أن يسلك طريق الاحتياط، فنقول: أم الزوجة حرام تبعاً للجمهور، وتحتجب تبعاً لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ وذلك لأننا إذا قلنا: إنها حرام عليك على رأي الجمهور لا تحتجب، وإذا قلنا إنها حلال على رأي الشيخ تحتجب، وأنا أعمل بالدليلين، وأقول: هذه مسألة مشكوك فيها، وإذا شك في الأمر فإنه يسلك فيه طريق الاحتياط، فنأخذ بالاحتياط بما قاله الجمهور من تحريم نكاحها، ونأخذ بالاحتياط بما قاله شيخ الإسلام من وجوب الحجاب.
وهذا المسلك له أصل في الشرع، وهو قصة سودة بنت زمعة ﵂ حينما تخاصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة ﵄ في غلام كان ادعاه سعد بن أبي وقاص وقال: إنه ابن أخي عهد به إليَّ فأريده، فقال: عبد بن زمعة: يا رسول الله إنه ولد وليدة أبي، ولد على فراشه ـ ومعلوم أن الولد للفراش إذا ادعاه صاحب الفراش، حتى لو علمنا أنه من الزاني قطعاً ـ فقال سعد: يا رسول الله انظر إلى شبه الغلام، فنظر إليه فوجد شبهاً بيناً بعتبة، مما يدل على أنه خلق من مائه، ثم قال النبي ﷺ:«الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة»(١)، فقضى به لزمعة على أنه ابنه، وأمر سودة أن تحتجب منه على سبيل الاحتياط؛ لأنه رأى شبهاً بيناً، فأعمل النبي ﷺ السببين احتياطاً.
(١) أخرجه البخاري في البيوع/ باب تفسير المشبهات (٢٠٥٣)؛ ومسلم في الرضاع/ باب الولد للفراش وتوقي الشبهات (١٤٥٧) عن عائشة ﵂.