فالقضاء اجتهاد في وقته ومحله، يختلف من قاضٍ إلى آخر، ومن زمن إلى زمن، ومن حال إلى حال، والتشريع لا يتغير.
ولهذا أمثلة، منها: أن الرسول ﵊ قضى للقاتل بسلب المقتول، فقال:«من قتل قتيلاً فله سلبه»(١)، فاختلف العلماء في مثل هذا، هل هو تشريع أو قضاء؟ فمن قال: إنه قضاء قال: إن الرسول ﷺ جعل من قتل قتيلاً فله سلبه في تلك الغزوة، ومن جعله تشريعاً قال: إنه عام في جميع الغزوات.
فلو أن الطب بالفحص الدقيق قال: إن الرجل عنين قبل أن تمضي السنة، أو قال: إنه ليس بعنين، أو قال: إنه يحتمل أن يعود عليه نشاطه في فصل من فصول السنة، فهل لنا أن نخالف هذا الحكم؟ إن قلنا: إنه من باب التشريع فلا نخالفه، حتى لو قال لنا الأطباء: إننا نعلم علم اليقين أن هذا الرجل لن تعود إليه قوة الجماع فإننا لا نأخذ به، بل نؤجله، وإذا قلنا: إنه من باب القضاء الخاضع للاجتهاد، فإنه إذا قرر الأطباء من ذوي الكفاءة والأمانة أنه لن تعود إليه قوة الجماع فلا فائدة من التأجيل، فلا نستفيد من التأجيل إلا ضرر الزوجة، فهو في الحقيقة يشبه مقطوع الذكر في عدم رجوع الجماع إليه، فلا حاجة في التأجيل حينئذٍ.
ومما يعلم بالطب، واشتهر عند الناس أن من كُوِيَ من صُلبه فإنه تبطل شهوته، إما لأنه لا ينزل، أو لا ينتشر، ولهذا
(١) أخرجه مسلم في المغازي/ باب استحقاق القاتل سلب القتيل (١٧٥٣) (٤٤) عن عوف بن مالك ﵁.