واختار شيخ الإسلام ﵀ أن هذا حرام، وهو الصواب، فلا يجوز للإنسان أن يأكل أكلاً يؤذيه.
قوله:«أو قليلاً بحيث يضره» الأكل القليل ينظر، إذا كان البدن يتغذى به فهذا خير؛ لقول النبي ﷺ:«بحسب ابن آدم لُقيمات يُقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه»(١).
فكونك تأكل قليلاً، ثم تعود إلى الأكل قريباً أحسن من كونك تأكل كثيراً ثم تتأخر إلى العودة إلى الأكل، ولهذا نسمع عن بعض الأمم أنهم يأكلون قليلاً، ثم يرجعون إلى الأكل عن قرب، فتجدهم يأكلون في اليوم والليلة خمس مرات، ويقولون: هذا أصح للبدن، وما هذا ببعيد؛ لأن الحديث السابق يدل عليه؛ لأنه إذا صار الطعام قليلاً كان هضمه من المعدة بيسر وسهولة، ولا يشق عليها، وإذا هضمته وطلبت طعاماً فكل، فلن يضرك، ولكن أكثر الناس لا يقدر على هذا، فإذا جلس على الطعام لا بد أن يملأ البطن، وهذا أحياناً لا بأس به، أي: أن تملأ بطنك بالطعام حتى لا تجد مكاناً للطعام، كما جاء ذلك في حديث أبي هريرة ﵁ فقد كان فقيراً، وكان يصحب النبي ﷺ على شبع بطنه، وفي يوم من الأيام خرج الناس من المسجد، فجعل إذا لقي أحداً يسأله: ما الذي بعد آية كذا؟ وهو يريد بذلك: أن يدعى من أحدهم، ولكن لم يدعه أحد إلى بيته، حتى
(١) أخرجه الترمذي في الزهد/ باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل (٢٣٨٠)؛ وابن ماجه في الأطعمة/ باب الاقتصاد في الأكل وكراهة الشبع (٣٣٤٩) عن المقدام بن معد يكرب ﵁، وقال الترمذي: حسن صحيح.