وإن لم ينوه؛ وذلك لأنه فراق معلق على لفظ فحصل به، وليس عملاً يتقرب به الإنسان إلى ربه حتى نقول: إنما الأعمال بالنيات، فمتى وجد تَمَّ الفراق، مثل البيع والشراء والإجارة والهبة إذا حصل من الإنسان، ولو لم ينوِ ما دام وجد اللفظ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ﵀.
واعلم أنه إذا طلق فتارة ينوي الطلاق، وتارة ينوي غيره، وتارة لا ينوي شيئاً، فإن نوى الطلاق وقع ولا إشكال فيه، وإن لم ينوِ الطلاق، بل قصد أنت طالق؛ أي: غير مربوطة فهذا لا يقع به الطلاق، وإن لم ينوِ الطلاق ولا غيره فهذا موضع خلاف؛ فمن العلماء من قال: تطلق؛ أخذاً بظاهر اللفظ.
وقال بعض أهل العلم: إنه إذا لم ينوه فإنه لا يقع؛ لأن الله ﷾ يقول: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُّمُ الأَيْمَانَ﴾ [المائدة: ٨٩] مع أن اليمين له حكم معلق عليه، فإذا حلف الإنسان تعلق الحكم بيمينه، ومع ذلك لم يجعله الله ﷾ معتبراً إلا إذا نواه، فإذا كان اليمين لا ينعقد إلا بالنية، فالطلاق ـ أيضاً ـ لا ينعقد إلا بالنية، فمن لم ينوه لم يقع، ولكن سبق لنا أن من لم ينوه لإغلاق فإنه لا يقع طلاقه، وكلامنا فيمن ليس عنده إغلاق، وهذا القول تعليله قوي جداً، إذ كيف يؤاخذ الإنسان بلفظ جرى على لسانه بدون قصد؟! قالوا: إن اليمين حق بينه وبين الله وقد عفا الله عنه، بخلاف الطلاق فهو حق بينه وبين غيره، فالزوجة تقول: حصل اللفظ نوى أو ما نوى، فما دام حصل اللفظ فهي تطالب بالفراق.