للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثال ما كان محتملاً للأمرين: أن يقول لزوجته: إن خرجت من البيت فأنت طالق، فيحتمل أنه أراد الشرط، بمعنى أن امرأته إذا خرجت طابت نفسه منها، ووقع عليها طلاقه، وحينئذٍ يكون مريداً للطلاق؛ فإذا خرجت من البيت طلقت، فكأنه يقول: إذا خرجت من البيت أصبحت امرأة غير مرغوب فيك عندي، فأنا أكرهك، فحينئذٍ يقع الطلاق؛ لأنه شرط محض.

الاحتمال الثاني: أن لا يكون قصده إيقاع الطلاق، بل هو راغب في زوجته ولو خرجت، ولا يريد طلاقها، لكنه أراد بهذا أن يمنعها من الخروج، فعلقه على طلاقها تهديداً، فإذا خرجت في هذه الحال فإنها لا تطلق؛ لأن هذا يراد به اليمين، وقد قال النبي : «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» (١)، وجعل الله ﷿ التحريم يميناً؛ لأن المحرِّم يريد المنع أو الامتناع من الشيء، فدل هذا على أن ما قُصِد به الامتناع وإن لم يكن بصيغة القسم فإن حكمه حكم اليمين.

واعلم أنه لم يرد عن الصحابة شيء في حكم الحلف بالطلاق؛ لأنه غير موجود في عصرهم، لكن ورد عنهم الحلف بالنذر، بأن يقول الإنسان: لله علي نذر أن لا ألبس هذا الثوب، أو يقول: إن لبست هذا الثوب فلله عليَّ نذر أن أصوم سنة، وهذا النذر عند الصحابة جعلوا حكمه حكم اليمين، فإذا كانوا جعلوا النذر الذي يقصد به المنع حكمه حكم اليمين، مع أن الوفاء بالنذر واجب، فلأن يجعلوا الطلاق الذي هو مكروه


(١) سبق تخريجه ص (١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>