في القسامة أولياء المقتول يحلفون على القاتل، وإن كانوا لم يروه بناء على غلبة ظنهم.
وكذلك ـ أيضاً ـ لو حلف على شيء مستقبل يظن وقوعه فلم يقع، مثل أن يقول: والله ليقدمن زيد غداً، ثم لم يقدم فلا شيء عليه؛ لأنه حين قال: والله ليقدمن غداً لا يريد الالتزام ولا الإلزام، وإنما يخبر عما في قلبه، سواء قدم أم لم يقدم، حتى وإن لم يقدم، لو سئل لقال: نعم أنا أظن أنه سيقدم، وأنا ما حلفت على شيء إلا وأظن وقوعه، وما زلت أظن وقوعه حتى غربت الشمس.
وكذلك لو كان طلاقاً فقال: عليَّ الطلاق ليقدمن زيد غداً، فلم يقدم وقصده الخبر، وليس قصده إلزام زيد بالقدوم، ولا أن يلتزم بمجيئه به، فإنه لا حنث عليه، هذا هو الصواب في هذه المسألة، وهو أن الأصل أن العبادات مبنية على غلبة الظن، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
قوله:«وإن فعل بعضه لم يحنث إلا أن ينويه» إن حلف على شيء لا يفعلنه، ولكنه فعل بعضه لم يحنث إلا أن ينويه، فإن نواه حنث؛ لأن الأيمان مبنية على النية.
مثال ذلك قال: والله لآكلنَّ هذه الخبزةَ فأكل بعضها فإنه لا يحنث إلا إذا نوى جزءاً منها، أي: قصده مجرد طعمها؛ وكذلك لو كان هناك قرينة كما تقدم لنا في مسألة الحلف على شرب ماء النهر، فإذا كان هناك نية تدل على أنه أراد البعض، أو قرينة تدل على أنه أراد البعض عمل بها.