للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليؤذِّنْ لكم أحدُكم، ثم لِيَؤمَّكُم أكبرُكم» (١)، فهذا يدلُّ على أنَّ المتابعة لا تجب. ووجه الدلالة: أن المقام مقام تعليم؛ وتدعو الحاجةُ إلى بيان كلّ ما يُحتاج إليه، وهؤلاء وَفْدٌ قد لا يكون عندهم علم بما قاله النبيُّ في متابعة الأذان، فلمَّا ترك النبيُّ التنبيه على ذلك مع دُعاءِ الحاجة إليه؛ وكون هؤلاء وفداً لَبِثُوا عنده عشرين يوماً؛ ثم غادروا؛ يدلُّ على أنَّ الإجابة ليست بواجبة، وهذا هو الأقرب والأرجح.

وقوله: «يُسَنُّ لسَامعه متابعتُه سِرًّا»، ظاهره: أنه إذا رآه ولم يسمعه فلا تُسَنُّ المتابعة؛ لأن الرَّسول قال: «إذا سمعتم» فعلَّق الحكمَ بالسَّماع؛ ولأنه لا يمكن أن يتابعَ ما لم يسمعه؛ لأنه قد يتقدَّم عليه.

وظاهر كلامه أيضاً: أنه لو سَمِعَه ولم يَرَهُ؛ تابعه للحديث.

وظاهر الحديث كما هو ظاهرُ كلام المؤلِّف أنه يتابعه على كلِّ حال؛ إلا أن أهل العلم استثنوا مَنْ كان على قضاء حاجته (٢)؛ لأنَّ المقام ليس مقام ذِكْر، وكذا المصلِّي لقول النبيِّ : «إن في الصَّلاةِ شُغْلاً» (٣)، فهو مشغول بأذكار الصَّلاة.

وقال شيخ الإسلام: بل يتابع المصلّي المؤذِّنَ؛ لعموم


(١) متفق عليه، وقد تقدَّم تخريجه ص (٤٣).
(٢) انظر: «النكت على المحرر» (١/ ٤١)، «الإنصاف» (٣/ ١٠٨).
(٣) رواه البخاري، كتاب العمل في الصلاة: باب ما يُنهى من الكلام في الصلاة، رقم (١١٩٩)، ومسلم، كتاب المساجد: باب تحريم الكلام في الصَّلاة، رقم (٥٣٨). من حديث عبد الله بن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>