للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما السنة قالوا: لأن الرسول قال لأنيس : «واغدُ إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها» (١)، ولم يقل: ما لم ترجع، وإذا كان لم يقله مع أن الحاجة تدعو إليه عُلم أنه ليس بشرط ألاَّ يرجع في إقراره حتى يتم عليه الحد؛ لأن الشرط لا بد أن يتم، وإلا لا يمكن أن يطبق الحكم بغير تمام الشرط.

قالوا: وأما قولكم: إن ماعزاً رجع عن إقراره، فهذا قول بلا علم، وماعز ما رجع عن إقراره أبداً، وهربُهُ لا يدل على رجوعه عن إقراره إطلاقاً، ومن ادعى أن ذلك رجوع عن إقراره فقد قال قولاً بلا علم، وقد حرَّم الله ﷿ علينا أن نقول بلا علم في قوله: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: ٣٦]، نعم، ماعز هربه قد يكون رجوعاً عن طلب إقامة الحد عليه، فهو في الأول يريد أن يقام عليه الحد، وفي الثاني أراد ألاَّ يقام عليه الحد، وتكون التوبة بينه وبين الله، ولهذا قال الرسول : «هلاّ تركتموه يتوب فيتوب الله عليه» (٢)، فدل هذا على أن حكم الإقرار باقٍ؛ لأنه لا توبة إلا من زنا، ما قال الرسول: هلا تركتموه؛ لأنه ارتفع إقراره، بل قال: «هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه».

وحينئذٍ لا يكون في الحديث دليل على ما زعتمم، بل إن


(١) سبق تخريجه ص (٢٢٥).
(٢) أخرجه أبو داود في الحدود/ باب رجم ماعز بن مالك (٣٨٣٦)، وأحمد (٥/ ٢١٦ ـ ٢١٧) عن نعيم بن هزال
.
ورواه الترمذي مختصراً في الحدود/ باب ما جاء في درء الحد … (١٣٤٨)، عن أبي هريرة وحسّنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>