للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: «جلد ثمانين جلدة إن كان حراً» «جُلد» فعل ماضٍ مبني للمجهول، فمن الجالد؟ سبق لنا أنه لا يقيم الحدود إلا الإمام أو نائبه، وهذا هو المشهور من المذهب، وهو الحق.

وقال بعض أهل العلم: إن حد القذف يقيمه المقذوف على القاذف، إذا جعلناه حقاً للمقذوف، وإذا جعلناه حقّاً لله فالذي يقيمه هو الإمام وسيأتي الخلاف فيه.

وقوله: «جلد ثمانين جلدة إن كان حراً» أي: إن كان القاذف حراً فإنه يجلد ثمانين، وهذا هو القسم الأول من عقوبة القاذف، والدليل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ *﴾ [النور:٤]، فقوله تعالى: ﴿الْمُحْصَنَاتِ﴾ جمع مؤنث سالم، فهل هي خاصة بالنساء أو عامة؟ وهل العموم باللفظ أو بالمعنى؟ ظاهر الآية الكريمة أنها خاصة بالنساء، ولكن بعض أهل العلم يقول: إن المحصنات صفة لموصوف محذوف، واختلفوا في تقديره، فقال بعضهم: الأنفس المحصنات، وقال آخرون: الفروج المحصنات، فيكون عاماً يشمل الرجال والنساء، واستدلوا بقول الله تعالى: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ فالفرج إذاً محصن، لكن لا شك أن هذا تأويل مخالف لظاهر الآية، وأن الظاهر أن المراد بها النساء، ولكن الرجال في هذا مثل النساء بالإجماع، فيكون عمومها عموماً معنوياً؛ وذلك لعدم الفارق بين الرجال والنساء في هذا.

في هذه الآية رتب الله على القذف ثلاثة أمور:

الأول: الجلد.

<<  <  ج: ص:  >  >>