ثم قال: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا﴾ [النور: ٥]، فهل هذا الاستثناء يرفع الأحكام الثلاثة، أو يرفع الحكم الأخير، أو يرفع الحكم الأخير والذي قبله؟ أما الأخير فهو بلا شك، فإذا تابوا من القذف زال عنهم وصف الفسق إلى العدالة، وهذا لا شك فيه؛ لأن الاستثناء من أقرب مذكور وقد حصل.
وقال بعض العلماء: إنه عائد إلى الأخير، وما قبله، وأنه إذا تاب ورجع قبلت شهادته، أما الحكم الأول فإنه لا يعود إليه بالاتفاق، إلا أن بعضهم قال: إذا جعلناه حقاً لله وتاب قبل القدرة عليه فإنه يسقط، فجعله عائداً للثلاثة.
وقوله:«وإن كان عبداً أربعين» يعني وإن كان عبداً جلد أربعين، وهذا هو القسم الثاني من عقوبة القاذف، قالوا: لأن العبد يتنصف الحد عليه، وقد سبق دليل ذلك، وهو قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: ٢٥]، والقذف حَدٌّ، فيتنصف كما يتنصف حد الزنا، إذاً كون العبد يجلد أربعين، هذا من باب القياس.
وقال بعض العلماء: إنه إذا كان حراً أو عبداً فإنه يجلد ثمانين جلدة؛ لأن الآية عامة، والحق للمقذوف، والمقذوف بالزنا سيتدنس عِرضُه، سواء كان القاذف حراً أو عبداً فالأمر فيه ظاهر، وحد الزنا لله، وبشاعة الزنا وشناعته بالنسبة للحر والعبد تختلف، فاختلف جزاؤه، أما هنا فالمضرة على المقذوف،