أكلتهما على انفرادٍ لم يحصل الضرر، ومن ذلك الحُمْية للمرضى، فإن المريض إذا حُمي عن نوع معينٍ من الطعام، وقيل له: إن تناوله يضرك، صار عليه حراماً، ومن ذلك على تمثيل النحويين:«لا تأكلِ السمكَ وتشربَ اللبن» بالفتح، ولكننا نقول للنحويين في هذه القاعدة، أو هذا الضابط: ما هذا عِشك فادرجي؛ فإن الأطباء الآن يقولون: إنه لا يضر، وقد رأينا أهل جدة يأكلون السمك، ويشربون اللبن، ولا يضرهم ذلك شيئاً.
قال شيخ الإسلام ﵀:«وإذا خاف الإنسان من الأكل أذًى أو تخمة حَرُمَ عليه».
فإذا قال الإنسان: أنا إذا ملأتُ بطني من هذا الطعام فإنه سيحتاج إلى ماء، فإذا أضفتُ إليه الماء فلا أكاد أمشي، وأتأذى، فإن جلست تأذيت، وإن ركعتُ تأذيت، وإن استلقيت على ظهري تأذيت، وإن انبطحت على بطني تأذيت، وفي هذا يقول شيخ الإسلام: إذا خاف الأذية فإنه يحرم عليه الأكل، وما قاله ﵀ صحيح؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يأكل ما يؤذيه، أو يلبس ما يؤذيه، أو يجلس على ما يؤذيه، حتى الصحابة ﵃ في السجود، كانوا إذا أذاهم الحر يبسطون ثيابهم، ويسجدون عليها (١)؛ لئلا يتأذوا، ولأجل أن يطمئنوا في صلاتهم.
(١) أخرجه البخاري في الصلاة/ باب السجود على الثوب في شدة الحر (٣٨٥)، ومسلم في المساجد/ باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت (٦٢٠) (١٩١).