فقال: والنبي تفتيني في هذه المسألة، فقلت له: الحلف بالنبي ﷺ حرام، فسكت الرجل وقال: والنبي ما عمري أعود إلى هذا الشيء! فهذا القول غير وجيه، ولا يستقيم مع قوله ﷺ:«لا تحلفوا بآبائكم»(١)؛ لأنه ﷺ نهى عن هذا بالذات، وما كان منهياً عنه بذاته، كيف نقول: إنه ﷺ أقره، وأنه يبقى حكمه إلى الآن؟! هذا لا يمكن.
الرابع: أن النهي عن الحلف بغير الله خوفاً من أن يقع في قلب الحالف من تعظيم هذا المحلوف به، كما يكون في قلبه من تعظيم الله، وهذا بالنسبة للنبي ﷺ ممتنع، فلا يمكن أن يقوم في قلبه تعظيم أبي هذا الأعرابي كتعظيم الله، وعلى هذا الوجه يكون هذا خاصاً بالنبي ﷺ؛ لعلمنا أن المحذور من الحلف بغير الله لا يتصور في حقه، وعلى هذا يكون الحلف بالأب ونحوه على من سوى النبي ﷺ ممنوعاً، أما في حقه ﷺ فهو جائز.
لكن هذا يضعفه أنه ﷺ أسوة أمته، ولا يمكن أن يحلف بغير الله وهو يعلم أن الأمة سوف تتأسَّى به، لكن قد يقال: إن الأمة قد أخبرها بالحكم بقوله ﷺ: «لا تحلفوا بآبائكم».
وهذا الوجه الرابع ينطبق تماماً على ما ذهب إليه الشوكاني وجماعة من العلماء من أن الفعل من رسول الله ﷺ لا يعارض القول مطلقاً.