للصغيرة (١)، وقصص الذكاء في القضاة كثيرة، ذكر ابن القيم ﵀ في الطرق الحكمية جملةً صالحة منها في أقضية القضاة.
قوله:«وورعاً» الورع والزهد كلاهما ترك، لكن الورع ترك ما يضر في الآخرة، والزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، وبينهما فرق، فالورع أن يدع الإنسان كل ما يضره، فلا يأكل ما لا ينبغي بحق، ولا يظلم أحداً، ولا يضيع شيئاً من عمله، وما أشبه ذلك، والزهد ترك ما لا ينفع، فيدع المباحات من أجل أن يرتقي إلى الكمالات، وعلى هذا فيكون الزهد أعلى من الورع، يعني مقام الزهد أعلى من مقام الورع؛ لأن الزهد ترك ما لا ينفع، مثال ذلك لدينا ثلاث حالات:
الأولى: رجل يأكل الحرام.
الثانية: رجل لا يأكل الحرام، لكنه لا يتورع من الأشياء التي ليس فيها خير ولا ضرر.
الثالث: رجل يدع كل شيء لا نفع فيه فلا يأكله.
فالأول ليس فيه ورع ولا زهد، والثاني فيه ورع لا زهد، والثالث فيه ورع وزهد؛ لأن من زهد فيما لا ينفع كان لتركه ما يضر من باب أولى، والشيء الذي يجب أن يكون في القاضي أن يكون ورعاً، أما الزهد فهو من الكمال، وأما الورع فإنه لا بد
(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء/ باب ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ﴾ (٣٤٢٧)، ومسلم في الأقضية/ باب اختلاف المجتهدين (١٧٢٠) عن أبي هريرة ﵁.