للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه، فلا بد أن يكون القاضي ورعاً ـ أي: بعيداً عن أكل الحرام ـ كالرِّشوة، والمحاباة، وما أشبه ذلك.

وقوله: «علماً وورعاً» إكمالٌ لركني الولاية، بل لركني كل عمل، وهما: القوة، والأمانة؛ لأن جميع الأعمال تنبني على هذين الركنين: القوة على أداء العمل، والأمانة في أداء العمل، قال الله : ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦]، وقال: ﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ *﴾ [النمل] وفي تقديم القوة على الأمانة دليل على أنها أهم من الأمانة؛ لأنه كم من إنسان أمين ولا يخشى منه الخيانة أبداً، لكنه ضعيف لا ينتج ولا يثمر، وكم من إنسان قوي في أداء عمله لكنه ضعيف في أمانته، فالثاني أحسن لإقامة العمل، ولهذا تجد كثيراً من الناس الذين لديهم قوة وحزم وتصرف، تجدهم ينتجون من الأعمال أكثر بكثير من قوم ضعفاء، وعندهم أمانة، ولهذا قال النبي لأبي ذر: «إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمَّرَنَّ على اثنين، ولا تولين مال يتيم» (١)، فالإنسان لا بد أن يكون قوياً، وأن يكون أميناً، ولهذا بدأ المؤلف هنا بالعلم؛ لأن به القوة على القضاء، ثم ثنَّى بالورع الذي هو الأمانة فقال:

«ويأمرُهُ بتقوى الله» «يأمرُهُ» بالضم على الاستئناف؛ لأنه لا يجب عليه أن يأمره، ولكنه ينبغي له أن يأمر القاضي بتقوى الله


(١) أخرجه مسلم في الإمارة/ باب كراهة الإمارة بغير ضرورة (١٨٢٦) عن أبي ذر .

<<  <  ج: ص:  >  >>