كان لا يسمع أبداً، ولو أطلقت الرصاص جنب أذنه ما سمع، لكنه يكتب، ويعرف الإشارة معرفة عظيمة، وكان عنده لوح من حجر صغير يضعه في مِخباته، فإذا لاقاك أشار أَنِ السلام عليكم، ثم أخرج اللوح وقال: اكتب، يعني إن جاءك أخبار ونحو ذلك، ولهذا كان من أعلم الناس بالأخبار، حتى أخبار الدول وغيرها يعلمها؛ لأنه حريص على تلقي الأخبار.
إذاً كلام الفقهاء يقتضي أن الأصم لا يصح أن يكون قاضياً، ولو فهم كلام الخصمين بالإشارة، أو بالكتابة، أما بالإشارة فقالوا: إنه لو فهم بالإشارة فقد لا يحسن الخصم الإشارة، قد يشير بشيء يتصوره القاضي شيئاً آخر، والإشارات تختلف، لكن الكتابة بحروف واضحة مقروءة، يكتب الخصم ثم يعرض على القاضي، ويطلب من المدعى عليه الدفاع، أو الإقرار، فهذا ممكن، فإذا كانت العلة في منع نصب الأصم قاضياً هي عدم سماع الخصمين، فإننا نقول: إذا أمكن أن تصل حجة الخصمين إلى هذا القاضي بأي وسيلة، زالت العلة، وإذا زالت العلة زال الحكم.
الثامنة: قوله: «بصيراً» يعني غير أعمى، فالأعمى لا يصلح أن يكون قاضياً؛ قالوا: لأنه لا يعرف المدعي من المدعى عليه، فربما يتكلم أحدهما مقلداً للآخر، فيحسب أنه هو ذلك المُقلَّد؛ لأنه لا يميز الأشياء إلا بالصوت، والصوت يمكن تقليده، فيمكن أن يقول المدعي: أنا أدعي على فلان بعشرة آلاف ريال، فيقول القاضي: ماذا تقول؟ فيقلد ذاك صوت المدعى عليه يقول: نعم،