للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن رعيته بعبادته الخاصة، بدليل قوله: ﴿إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾، مع أن الله ـ تعالى ـ جعله خليفة يحكم بين الناس، والموظف لا يشتغل بما يشغله عن وظيفته، فإذا كان الله ﷿ قد كلفه أن يقوم بهذه المهمة، فلا ينبغي أن يختص الوقت لنفسه، ولهذا لما جاؤوا ووجدوا المحراب مغلقاً تسوَّروه؛ لأنهم أصحاب حاجة، كما أن داود حكم قبل أن يدلي الخصم بحجته التي يدافع بها عن نفسه، فبمجرد ما قال المدعي: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً﴾ إلى آخره، قال: ﴿لَقَدْ ظَلَمَكَ﴾، وهذا يدل على أنه لا يحكم لأحد إلا بسماع حجة صاحبه.

ولكن قد يقول القائلون بالحكم على الغائب: إن هذا حاضر، فسماع حجته سهل، بخلاف الغائب، لكن قد ورد في حديث علي بن أبي طالب أن النبي قال: «إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقضي للأول حتى تسمع كلام الآخر، فسوف تدري كيف تقضي» قال علي: فما زلت قاضياً بعد (١)، وهذا الحديث فيه مقال، لكن بعضهم حسَّنه.

أما النظر فقالوا: إنه لا يمكن أن يحكم لهذا الحاضر على الغائب؛ لاحتمال أن يكون قد قضاه حقه، فإذا قال: أنا أدعي عليه بمائة ريال، وأتى بالشهود، فمن الجائز أن يكون المدعى


(١) أخرجه أحمد (١/ ١٤٣)، وأبو داود في الأقضية/ باب كيف القضاء (٣٥٨٢)، والترمذي في الأحكام/ باب ما جاء في القاضي لا يقضي بين الخصمين … (١٣٣١)، وحسنه، والحاكم (٤/ ١٠٥)، والبيهقي (١٠/ ١٣٧) والحديث صححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>