للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبيُّ لا يدعُ شيئاً فيه تصاوير إلا كسره أو هتكه (١)، لأنها إِذا كانت محرَّمة في كل الحالات ما كان لبقائها فائدة.

ويدلُّ لذلك أن أمَّ سلمة ـ وهي راوية الحديث ـ كان عندها جُلجُل من فِضَّة جعلت فيه شعَرات من شعر النبي فكان الناس يستشفون بها،

فيُشفون بإِذن الله، وهذا في «صحيح البخاري (٢)»، وهذا استعمال في غير الأكل والشرب.

فإن قال قائل: خصَّ النبيُّ الأكل والشرب لأنَّه الأغلب استعمالاً؛ وما علِّق به الحكم لكونه أغلب لا يقتضي تخصيصه به كقوله تعالى: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ﴾ [النساء: ٢٣]، فتقييد تحريم الرَّبيبة بكونها في الحجر لا يمنع التَّحريم، بل تَحرُمُ، وإِن لم تكن في حِجره على قول أكثر

أهل العلم (٣)؟

قلنا: هذا صحيح، لكن كون الرَّسول يُعلِّق الحكم بالأكل والشُّرب؛ لأن مَظْهَرَ الأمة بالتَّرف في الأكل والشُّرب أبلغُ منه في مظهرها في غير

ذلك، وهذه عِلَّة تقتضي تخصيص الحكم


(١) روى البخاري، كتاب اللباس: باب ما وُطئ من التصاوير، رقم (٥٩٥٤)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة: باب تحريم تصوير صورة الحيوان، رقم (٢١٠٧)، واللفظ له، عن عائشة قالت: «دخل عليَّ رسول الله وأنا مُتَسَتِّرَةٌ بقرام فيه صورة، فتلون وجهه، ثم تناول الستر فَهَتَكَه … »، وروى مسلم، كتاب الجنائز: باب الأمر بتسوية القبر، رقم (٩٦٩) عن علي بن أبي طالب: «أن النبي بعثه على أنْ لا يدع تمثالاً إِلا طَمَسَه، ولا قبراً مشرفاً إِلا سوّاه».
(٢) رواه البخاري، كتاب اللباس: باب ما يُذكر في الشَّيب، رقم (٥٨٩٦).
ملاحظة: اختُلِفَ في ضبط لفظة «من فضَّة» فضبطها الأكثرُ بالقاف والصَّاد المهملة «من قُصَّة». وانظر كلام الحافظ ابن حجر في توجيه كلا الروايتين.
(٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>