للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«جُعلت لي الأرضُ مسجداً وطَهُوراً» (١) وهذه من الأرض، وهي طَهُور وليس فيها ما يمنع الصَّلاة.

وأما دليل الكراهة فقالوا: لأنها أماكن نُهيَ عن الصلاة فيها فكُرِه استقبالها (٢).

وربما يُعلِّلُ مُعَلِّلٌ: بأن هذا موضع اختلف العلماء في صِحَّة الصلاة فيه؛ فكُرهت الصلاةُ إليها خروجاً من الخلاف.

وكلا التَّعليلين عليل. أما الأوَّل فيُقال: إن عموم قوله ﷺ: «جُعلت لي الأرضُ مسجداً وطَهُوراً» (٣) يشمل هذه المواضع؛ فيحتاج إخراج شيء منها إلى دليل؛ لكن ربما نقول: إن الحُشَّ والحَمَّام تُكره الصَّلاة إليهما؛ لأنَّ فيهما رائحة كريهة قد تؤثِّر على المُصلِّي بأذيَّة أو تشويش، والشيء الذي يؤثِّر على المُصلِّي ويُشَوِّشُ عليه مكروه.

وأما أعطان الإبل؛ فربما نقول: إذا كانت الإبل موجودة باركة فرُبَّما تُكره الصلاة إليها؛ لأنه ربما تتحرَّك أو ترغو، أو ما أشبه ذلك فيؤثِّر عليه في صلاته، فيكون في ذلك تشويش عليه، وإذا كانت غير موجودة فلا وجه للكراهة؛ إلا إن كانت هناك رائحة.

وأمَّا المغصوب: فلا وجه للكراهة في الصلاة إليه.

وأما المقبرة: فالصَّحيح تحريم الصلاة إليها، ولو قيل بعدم الصِّحَّة لكان له وجه (٤)؛ وذلك لأنَّ النبيَّ ﷺ صَحَّ عنه في حديث أبي مَرْثَد الغَنَويِّ أنه قال: «لا تجلِسُوا على القُبُور، ولا تُصَلُّوا إليها» (٥)، فهذا يدلُّ على تحريم الصلاة إلى المقبرة؛ أو إلى القبور؛ أو إلى القبر الواحد.

ولأن العِلَّة من منع الصلاة في المقبرة موجودة في الصلاة إلى القبر، فما دام الإنسان يتَّجه إلى القبر أو إلى المقبرة اتِّجاهاً يُقال: أنه يُصلِّي إليها؛ فإنه يدخل في النَّهي، وإذا كان داخلاً في


(١) متفق عليه، وقد تقدم تخريجه (١/ ٢٩).
(٢) انظر: «المغني» (٢/ ٢٧٣، ٢٧٤).
(٣) متفق عليه، وقد تقدم تخريجه (١/ ٢٩).
(٤) انظر: «المغني» (٢/ ٤٧٣)، «الإنصاف» (٣/ ٣١٠، ٣١١).
(٥) رواه مسلم، كتاب الجنائز: باب النهي عن الجلوس في القبر، رقم (٩٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>