فإذا قال قائل: هذا استثناء من عموم نصوص الكتاب والسُّنَّة، فقد قال الله تعالى: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: ١٥٠]. وهذا عموم من أقوى العمومات، فإنَّ ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ﴾ جملة شرطيَّة من أقوى العمومات؛ فما الذي أخرج هذه الحال من هذا العموم؟
فالجواب: أخرجتها السُّنَّة؛ بفعل الرَّسول ﵊، فقد ثبت في «الصَّحيحين» وغيرهما أن رسول الله ﷺ كان يُصلِّي النَّافلة على راحلته حيثما توجَّهتْ به، غير أنَّه لا يُصلِّي عليها المكتوبة (١)، فهذه السُّنَّة خصَّصت عموم الآيات والحديث.
فإن قال قائل: أفلا يُمكن أن يكون هذا قبل وجوب استقبال القِبْلة؟
قلنا: لا يمكن؛ لأنَّ الصحابة استثنوا الفرائض، فدلَّ هذا على أنَّه بعد وجوب استقبال القِبْلة.
فإذا قال قائل: ما نوع هذا التَّخصيص؟ قلنا: هذا في الحقيقة من غرائب التَّخصيصات؛ لأنه قرآنٌ خُصَّ بسُنَّةٍ، وقولٌ خُصَّ بفعلٍ، يعني: لم يقل الرَّسول ﷺ: من تنفَّلَ في السَّفر فلا يستقبل. ومعلومٌ أن تخصيص قول بفعلٍ، أضعف من تخصيص قول بقول؛ لاحتمال الخصوصية، ولاحتمال العُذر، بخلاف القول.