وأيضاً: تخصيص القرآن بالسُّنَّة أضعف من تخصيص القرآن بالقرآن.
ولكن نقول: إن السُّنَّة تكون من الرَّسول ﷺ بأمر الله الصَّريح؛ أو بأمره الحُكمي الذي يُقِرُّ الله ﷾ فيه نبيَّه على ما قالَ أو على ما فعلَ، ولهذا إذا فعل الرَّسول ﵊ شيئاً لا يُقِرُّهُ الله عليه بَيَّنَه، كما قال الله تعالى له: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ *﴾ [التوبة]، وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ [التحريم: ١]، وقال ﷿: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ [الأحزاب: ٣٧].
فإذاً؛ نقول: إن فعل الرَّسول ﵊ في تَرْكِ استقبال القِبْلة في التنفُّل في السَّفر كان بأمر الله الحُكمي؛ لأنه أقرَّه، فيكون ما جاءت به السُّنَّة كالذي جاء به القرآن تماماً في أنه حُجَّة.
فإن قيل: هل تجوز الفريضة للرَّاكب السَّائر في السَّفر بدون استقبال القِبْلة؟
فالجواب: لا؛ إلا في الحال التي يتعذَّر فيها استقبال القِبْلة.
فإن قيل: إذا كان المسافرُ نازلاً في مكان، فهل يجوز أن يتنفَّل إلى غير القبلة؟
فالجواب: لا؛ لأنَّ تخصيص العام يُقتصر فيه على الصُّورة التي وقع فيها التَّخصيص فقط.