ثانياً: أنَّه ليس بناسخ؛ لأننا لا ندري هل قضيَّة الشَّاة في حديث ميمونة قبل أن يموتَ بشهر، أو قبل أن يموت بأيَّام؟ ومن شرط القول بالنسخ العلم بالتَّاريخ.
ثالثاً: أنَّه لو ثبت أنه متأخِّر، فإِنه لا يُعارض حديث ميمونة؛ لأن قوله:«لا تنتفعوا من الميتة بإِهاب ولا عصب» يُحمَلُ على الإِهاب قبل الدَّبغ، وحينئذٍ يُجمع بينه وبين
حديث ميمونة.
فإن قال قائل: كيف تقولون لو دُبِغَ اللحمُ ما طَهُرَ؛ ولو دُبِغَ الجلدُ طَهُرَ؟ وكلها أجزاء ميتة، ونحن نعرف أن الشريعة الحكيمة لا يمكن أن تفرِّق بين متماثلين؟
أجيب من وجهين:
الأول: أنَّه متى ثبت الفرق في الكتاب والسُّنَّة بين شيئين متشابهين، فاعلم أن هناك فرقاً في المعنى، ولكنَّك لم تتوصَّل إِليه؛ لأن إحاطتك بحكمة الله غير ممكنة،
فموقفك حينئذ التَّسليم.
الثاني: أن يُقالَ: إِنه يمكن التَّفريق بين اللحم والجلد، فإِن حلول الحياة فيما كان داخل الجلد أشدُّ من حلولها في الجلد نفسه، لأن الجلد فيه نوع من الصلابة
بخلاف اللحوم، والشُّحوم، والأمعاء، وما كان داخله فإِنه ليس مثله، فلا يكون فيه من الخَبَثِ ـ الذي من أجله صارت الميتة حراماً ونجسة ـ مثل ما في اللحم ونحوه.
ولهذا نقول: إنه يُعطَى حكماً بين حكمين:
الحكم الأول: أَنَّ ما كان داخل الجلد لا يَطْهُر بالدِّباغ.