للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

منحة السلوك

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= ولأن الخلوف لا يزول بالسواك؛ لأنه من المعدة لا من الفم، إذ لو كان من الفم؛ لوجب أن يمتنع قبله؛ لأن تعاهده بالسواك قبله يمنع وجوده بعده، والسواك لا يزيل الخلوف، وإنما يزيل وسخ الأسنان. ومدح الخلوف يدل على فضليته، لا على أفضليته على غيره، إذ لا يلزم من ذكر ثواب العمل، أن يكون أفضل من غيره؛ لأنه لا يلزم من ذكر الفضيلة حصول الرجحان بالأفضلية، فالوتر أفضل من ركعتي الفجر مع قوله عليه الصلاة والسلام: "ركعتا الفجر، خير من الدنيا، وما عليها" (أ). وكم من عبادة أثنى الشرع عليها مع فضل غيرها؟ عليها وهذه المسألة: من قاعدة ازدحام المصالح، التي يتعذر الجمع بينها، فالسواك لإجلال الرب تعالى حالة خطابه في الصلاة؛ لأن تطهير الأفواه؛ لمخاطبة العظماء؛ تعظيمًا لهم، والخلوف مناف لذلك، فلا تعظيم، ولا إجلال. فكيف يقال: إن فضيلة الخلوف، تربو على تعظيم ذي الجلال بتطييب الأفواه؟ وأحاديث السواك، عامة في جميع الصلوات، وليس في حديث الخلوف ما يخصصه (ب). ولعدم سلامة الاستدلال بهذا الحديث، قال عنه ابن حجر: وفي الاستدلال به نظر (جـ).
وأما الحديث الذي استدلوا به وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا صمتم، فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي ... " فضعيف، ضعفه البيهقي، والدارقطني. ففيه أبو عمر القصاب كيسان، وهو ليس بالقوي (د). ولكون الحديث ضعيفًا، فلا حجة فيه. قال ابن الهمام: الحديث فإنه مع شذوذه ضعيف (هـ).
وأما قياسهم الخلوف على دم الشهيد، فالجواب عليه: نقول: هذا قياس مع الفارق.
فالخلوف أثر العبادة، واللائق به الإخفاء؛ فرارًا عن الرياء، بخلاف دم الشهيد، فإنه أثر الظلم، فيبقى عليه، ليكون شهيدًا له على خصمه يوم القيامة فأما الصوم فبينه، وبين ربه، =

<<  <  ج: ص:  >  >>