للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (١)، أما قتل البنات فقد يكون ذلك من الأسباب، ولكن السبب الأقوى أن أهل الجاهلية، كانوا في مواجهات قبلية، وحروب دائمة ولأتفه الأسباب، وكثيرا ما تنتهك الحرمات، ومن ذلك وقوع النساء في السبي، وذلك يُلحق العار الكبير بالآباء والأقربين، بل بالقبيلة كلها، ومن هنا كان واد البنات أكثر فيهم، وقد حرّم الإسلام هذه العادة الظالمة، ونوّه بإنصاف الموؤدة يوم القيامة {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} (٢).

قوله: «وكانت عندي بنت لي، فلما أجابت وكانت مسرورة بدعائي إذا دعوتها، دعوتها يوما، فاتّبعتني فمررت حتى أتيت بئرا من من أهلي غير بعيد، فأخذت بيدها فرديت بها (٣)، في البئر، وكان آخر عهدي بها أن تقول: يا أبتاه، يا أبتاه».

في هذا بيان لما كان عليه الجاهليون من قسوة عظيمة، لم تكن مع الأبعدين فحسب، بل مع أقرب الأقربين، وهذا المشهد المحزن الأليم، لم يكن له أثر على الإطلاق في قلب ذلك الأب الجاهلي، المنزوع الرحمة، وتلك النفس البريئة المنادية بألطف الألفاظ وأعذبها لحنا، لكن قسوة الجهل لم تدع لتلك الكلمات الرنانة سبيلا إلى قلب أبيها، فلما أسلم -رضي الله عنه- انقلب الأمر رأسا


(١) الآية (١٥١) من سورة الأنعام، وانظر الآية (٣١) من سورة الإسراء.
(٢) الآيتان (٨، ٩) من سورة التكوير.
(٣) معناه: أسقطها، يقال: ردّى وتردّى لغتان: كأنه تفعل من الردى: الهلاك (النهاية ٢/ ٢١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>