للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على عقب، حتى أنه لم يهدأ حتى أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاصّا عليه جريمته، نادما أشد الندم، عاد إلى سمعه ما كان من قول ابنته: يا أبتاه، يا أبتاه، وكأن الحدث اللحظة وقع، غشيته رقة الإسلام، وشفقة المؤمنين. قوله: «فبكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى وكف دمع عينيه فقال: له رجل من جلساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أحزنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-».

فيه بيان ما كان عليه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من اللطف والرقة والرحمة، تصوّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يبكي بحرقة ولوعة عند سماع القصة، ولم يشاهد الحدث رأي العين، والعجب أن الأب لم يتأثر وقد باشر الحدث، وذكر من صفات ابنته ما يدعوا إلى الشفقة عليها ورحمتها، ولم يكن منه ما كان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هنا يتأكد لكل عاقل أنه -صلى الله عليه وسلم- حقا الرحمة المهداة إلى هذه الأمة برّها وفاجرها، ويتوب الله على من تاب، إنه أرحم الرحماء، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- لما أنكر عليه سعد بن عبادة، وقد فاضت عيناه بالدمع لما رفع ولدا لفاطمة ونفسه تقعقع: قال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» (١) وصح أنه قال -صلى الله عليه وسلم-: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء" (٢).

لم يملك أحد جلساء النبي -صلى الله عليه وسلم- نفسه لما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبكي فبادر إلى الرجل قائلا: أحزنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والحزن معلوم أنه أشد الألم.


(١) البخاري حديث (١٢٢٤).
(٢) أبو داود حديث (٤٢٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>