قوله:«خرج إلى البطحاء، ومعه ابن مسعود فأقعده وخط عليه خطا، ثم قال: لا تبرحن فإنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم، فإنهم لن يكلموك». كثيرا ما كان ابن مسعود -صلى الله عليه وسلم- يرافق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليكون في خدمته، ويسعد بصحبته، فخرج معه ذات يوم إلى البطحاء من أرض مكة، ولِما كان من علم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أن الملائكة تلتقي به -صلى الله عليه وسلم- في كثير من الأحيان، ولاسيما في بدايات الوحي، ليكون ذلك علامة على نبوته -صلى الله عليه وسلم-، وتقوية للمؤمنين به -صلى الله عليه وسلم-، احتاط في شأن صاحبه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- حتى لا يحدث له خوف حينما يرى شيئا مما يحدث، فأقعده -صلى الله عليه وسلم- وخط عليه خطا، لعلمه أن الملائكة لا يجاوزون ذلك الخط، وقال لصاحبه: لا تترك هذا الموقع المحدد، وليزيد طمأنينة وسكينة قال له: فإنه سينتهي إليك رجال، ولم يعلمه أنهم ملائكته اكتفاء بظاهر الحال، وقد خلق الله -عز وجل- الملائكة وأعطاهم من العظمة والقوة ما لا يعلمه إلا هو سبحانه، ومنحهم القدرة على التشكل في صور حسنة وهيئات جميلة، ولا يتشكلون في صور قبيحة تكريما لهم، ومفارقة لما يكون عليه الجن من التشكل، وأخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- صاحبه أن من يأتيه من الرجال لا يكلمونه، ونهاه عن كلامهم، ثم تركه -صلى الله عليه وسلم- وذهب حيث أراد، فجاء الرجال الذين أخبره عنهم، وجعلوا يصلون إلى ذلك الخط الذي خطه -صلى الله عليه وسلم- حول صاحبه، فيقفون عنده ولا يدخلون على عبد الله -رضي الله عنه- في موقعه، وهذه إحدى علامات نبوته -صلى الله عليه وسلم-، أما الصدق والأمانة فهما أمران غير مشكوك فيهما من قَبْل النبوة، ولكن النبوة حدث جديد تحتاج إلى دلالات قوية، فكانت تلك الأحداث المتوالية عبر حياته -صلى الله عليه وسلم-، وكان أولئك الرجال يصلون إلى الخط ثم يعودون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في موقعه الذي أراده، وكأن هذه حالة بحث من