للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجوب. ويقوِّي الوجوب: أن النبيَّ قال: «فإن أبى فَلْيُقَاتِلْهُ» وأصل مقاتلة المسلم حرام، لقول النبيِّ : «سبابُ المسلم فُسُوق، وقتاله كُفْرٌ» (١).

لكن من المعلوم أن المراد بالمقاتلة في رَدِّ المَارِّ الدَّفْع بشدة، لا أن تقتله بسلاح معك، أي: ليس قَتْلاً، ولكن مقاتلة، ومقاتلة كل شيء بحسبه، وحتى المقاتلة التي لا تؤدِّي إلى قتل هي حرام بالنسبة للمسلم مع أخيه إلا إذا وُجِدَ ما يسوِّغها.

قالوا: ولا يؤمر بما أصله الحرام إلا لتحصيل واجب، فلا يُؤمر بالقتال إلا إذا كان الدَّفْعُ واجباً؛ لأنه لا يبيح المُحَرَّم إلا الشيء الواجب. وقالوا أيضاً: في هذا فائدة وهي تعزير المعتدي؛ لأن المَارَّ بين يديك معتدٍ عليك، ولهذا قال الرسول : «فإنَّما هو شيطان» وفي لفظ: «فإن معه القَرِينَ» (٢) أي: أنَّ الشيطان يأمره، ورَدْعُ المعتدي أمْرٌ واجب.

وقالوا أيضاً: إنَّ فيه إحياء قلوب الغافلين؛ لأن كثيراً مِن النَّاسِ يمشي في المسجد وعيناه في السَّماءِ، ولا يبالي أكان الذي بين يديه مصلِّين أو غير مصلِّين، فإذا رَدَدتَهُ نبَّهتَه فيكون بذلك تنبيهاً للغافلين. وهذه الرواية عن أحمد كما ترى دليلُها الأثريُّ والنظريُّ قويان.


(١) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر (٤٨)؛ ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان قول النبي : «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» (٦٤) (١١٦).
(٢) تقدم تخريجه ص (٢٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>