وأما النظر فيقال: إن كان الإنسان مستغنياً عنه فبذله واجب، والواجب لا يجوز أخذ العوض عنه، وإن كان غير مستغن عنه فإن بيعه حرام عليه؛ لأنه محتاج له فلا يصح.
وتعليل نظري آخر هو أن في بيعه ابتذالاً له، كما تبتذل السلع، والمصحف يجب أن يحترم ويعظم.
وقال بعض العلماء: إنه يحرم بيعه ويصح، وفي هذا نظر؛ لأنه مخالف للقواعد (١)، إذ إن القاعدة أن كل عقد محرم فإنه لا يصح، فهذا القول فيه نظر، فإما أن نقول: يحرم ولا يصح، وإما أن نقول بما عليه جمهور العلماء وعمل المسلمين من أزمنة متطاولة: إنه يجوز، ويصح بيع المصحف.
والصحيح: أنه يجوز بيع المصحف ويصح للأصل، وهو الحل، وما زال عمل المسلمين عليه إلى اليوم، ولو أننا حرمنا بيعه لكان في ذلك منع للانتفاع به؛ لأن أكثر الناس يشح أن يبذله لغيره، وإذا كان عنده شيء من الورع وبذله، فإنه يبذله على إغماض، ولو قلنا لكل أحد إذا كنت مستغنياً عن المصحف، يجب أن تبذله لغيرك لشق على كثير من الناس.
وأما ما ورد عن عبد الله بن عمر ﵄ فلعله كان في وقت يحتاج الناس فيه إلى المصاحف، وأن المصاحف قليلة فيحتاجون إليها، فلو أبيح البيع في ذلك الوقت لكان الناس يطلبون أثماناً كثيرة لقلته؛ فلهذا رأى ﵁ ألا يباع.