قوله:«ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته اللازمة إلا الأب»، «واهب» نكرة في سياق النفي، فتعم كل واهب، ويدل على إرادة العموم الاستثناء في قوله:«إلا الأب»، وقد قال العلماء ﵏: إن الاستثناء معيار العموم.
وقوله:«هبته اللازمة» احترازاً من الهبة غير اللازمة، والهبة اللازمة هي المقبوضة، وغير اللازمة هي التي لم تقبض، فلو قال لشخص: وهبتك سيارتي الفلانية، وقال: قبلت، وبعد أن وهبها رجع، فالرجوع جائز وصحيح؛ لأنه لم يقبضها، والهبة لا تلزم إلا بالقبض، فإذا قبضها وأراد الرجوع، فإنه لا يحل له ولا يملك أيضاً، حتى في مجلس الهبة، فلو أنه وهبه قلمه وهما في المجلس، وقال: رجعت بعد أن قبضها الموهوب له فإنه لا يملك ذلك؛ لأنها ثبتت ولزمت فيحرم أن يرجع في هبته اللازمة؛ وذلك أن الهبة بعد القبض تصير ملكاً للموهوب له، فإذا رجع فيها فقد أخذ ملك غيره بغير حق فصار هذا حراماً، هذا تعليل المسألة من حيث النظر.
أما من حيث الأثر فقد قال النبي ﷺ:«ليس لنا مَثَلُ السوء، العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه»(١)، فقوله ﷺ:«ليس لنا مثل السوء»، هذه الجملة مفيدة جداً في الذين
(١) أخرجه البخاري في الهبة/ باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته (٢٦٢٢)؛ ومسلم في الهبات/ باب تحريم الرجوع في الصدقة (١٦٢٢) عن ابن عباس ﵄.