إلى هذا الوقت حرام، فأنت في مشكلة، فما ترجح؟ فمثل هذه المسائل جانب الاحتياط فيها يكون متعذراً، فلا يبقى أمام طالب العلم إلا أن يسلك طريقاً واحداً، ويجتهد بقدر ما يستطيع في معرفة الصواب من القولين، ويستخير الله ويمشي عليه، وإذا مشى على هذا برهة من الزمن بناء على أن هذا القول هو الصواب، ثم تبين له أن الصواب في خلافه فلا مانع أن يرجع، بل يجب أن يرجع إذا تبين له الحق.
ثم إذا أفتى بخلاف ما كان يقوله من قبل، فهل تعتبر الفتوى الأخيرة رجوعاً أو لا؟ الجواب: لا تعتبر رجوعاً، ويكون له في المسألة قولان، إلا إذا صرح بالرجوع، أو صرح بحصر قوله في هذا الأخير مثلاً، فإنه يعتبر رجوعاً، فإذا أفتى المجتهد بفتوى ثم أفتى بخلافها أخيراً، نقول: هذه لا تخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يفتي بالأخير ويسكت عن الأول.
الثانية: أن يفتي بالأخير ويصرح بأنه رجع عن الأول.
الثالثة: أن يفتي بالأخير، ويأتي بما يدل على انحصار قوله فيه.
ففي الحال الأولى: يكون له في المسألة قولان، ولا نقول: إنه رجع؛ لأن المجتهد كما هو معلوم يرى في وقت من الأوقات أن الصواب في هذا، ثم ـ مثلاً ـ ترد عليه أدلة ما بانت له من قبل، أو يأتي في المسألة مناقشة، ثم مع المناقشة تحصل أشياء وتتبين فيختلف اجتهاده، ولكن كما قال العلماء: الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، ولهذا فالإمام أحمد ﵀ يكون عنه