فإن قلت: كيف تقول ذلك، وقد ثبت عنه ﷺ:«أن رجلاً كان يسوق بقرة وهو راكبها، فالتفتت إليه وقالت: إنا لم نخلق لهذا»(١)؟ فإن هذا يدل على أنه لا يجوز أن تستعمل فيما لم تجرِ العادة به.
والجواب أن يقال: إن قوله تعالى: ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ *﴾ [النحل]، وقوله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا﴾، فهذا كله يدل على أنه يجوز لنا أن ننتفع بها بجميع وجوه الانتفاع، ويُحمل ما جاء في هذا الحديث على أن هذه البقرة قد شق عليها الركوب فلما شق عليها وليس من العادة قالت ذلك.
وقال بعض العلماء: إنه لا تستعمل هذه البهائم إلاّ فيما خلقت له، فيما جرت العادة باستعمالها فيه.
مسألة: هل يجوز أن نجري تجارب على هذه الحيوانات في عقاقير أو غيرها من الأدوية؟ نعم؛ لأنها خلقت لنا، فإذا كان هذا من مصلحتنا، ونحن لم نقصد التعذيب، فإنه لا بأس به، ولهذا فنحن نعذبها أكبر تعذيب، وذلك بذبحها لنأكلها، ومصلحة الأمة بمعرفة ما ينتج عن هذه العقاقير وما أشبه ذلك أكثر من مصلحة الأكل، ولكن يجب في هذه الحال أن يستعمل أقرب وسيلة لإراحتها.
قوله:«ولا يحلب من لبنها ما يضر ولدها» معنى «يضر» أي: ينقص تغذيته حتى لا يتغذى.
وقوله:«ولا يحلب» هذه جملة تحتمل الكراهة وتحتمل
(١) أخرجه البخاري في المزارعة/ باب استعمال البقر للحراثة (٢٣٢٤)، ومسلم في الفضائل/ باب من فضائل أبي بكر الصديق ﵁ (٢٣٨٨) عن أبي هريرة ﵁.