الأذان في قرية فيها مائة وخمسون نفراً، والإمام باستطاعته أن يبيدهم في ربع ساعة؛ فإنه لا يجوز أن يقتلهم، لكن يقاتلهم بمعنى يلزمهم بالأذان، وإن أدى إلى المقاتلة، ومن هنا يظهر السر في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩١]، لم يقل: فقاتلوهم، وهذا يحتمل معنيين:
أحدهما: إن قاتلوكم فسيجعل الله لكم التمكين حتى تقتلوهم، فهو كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾ [الإسراء: ٣٣]، فإن هذا فيه إشارة إلى أن من قتل مظلوماً فسوف يظهر الله قاتله ويقتل، ولهذا قال: ﴿فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ﴾، فيكون المعنى إن قاتلوكم فستكون الدولة لكم عليهم، فاقتلوهم.
الثاني: إن قاتلوكم فاقتلوهم وإن وضعوا السلاح؛ لأنهم بانتهاكهم حرمة المسجد الحرام كانوا مستحقين للقتل.
فالمهم أن هناك فرقاً بين القتال وبين القتل، فهؤلاء البغاة إذا لم يرجعوا فإن الإمام يجب عليه أن يقاتلهم، ويجب على رعيته أن يعينوه على قتالهم، فإن قالت الرعية: نحن لا نقاتل قوماً مسلمين، كيف نقاتلهم، وكيف نحمل السلاح عليهم؟! قلنا: لأنهم بغاة، فقتالهم من باب الإصلاح، وإذا لم يمكن الإصلاح إلا بقتالهم وجب، فيجب على الرعية طاعة الإمام إذا أمر بالخروج معه لقتال هؤلاء.
بقي أن يقال: هنا حال ثالثة؛ لأن المؤلف ذكر حالين:
الأولى: أن يكف هؤلاء عن القتال إذا بُيِّن لهم الأمر فنكف عنهم.