فإن الإنسان يضع أشرف ما فيه وهو وجهه؛ بحذاء أسفل ما فيه وهو قدمه.
وأيضاً: يضعه على موطء الأقدام، يفعل كلَّ هذا تعبُّداً لله تعالى وتقرُّباً إليه.
ومِن أجل هذا التَّطامن والنزول الذي فَعَلَهُ لله تعالى صار أقرب ما يكون الإنسان من رَبِّه وهو ساجد، مع أنه لو قام لكان أعلى وأقرب، لكن لنزوله لله ﷿ صار أقرب إلى الله، «فما تواضعَ أحدٌ لله إلا رَفَعَهُ اللَّهُ»(١).
هذه هي الحكمة والسِّرُّ في هذا السجود العظيم، ولهذا ينبغي لنا أن تسجد قلوبُنا قبل أن تسجدَ جوارحنا؛ بأن يشعر الإنسان بهذا الذُّلِّ والتَّطامن والتواضع لله ﷿، حتى يدرك لذَّةَ السُّجود وحلاوته، ويعرف أنَّه أقرب ما يكون إلى الله.
وهذا المعنى قد يغفل عنه أصحابُ الظَّواهر الذين يريدون أن يُجمِّلُوا الطاعات بظاهرها، وهم يُحمدون على هذا، ولا شَكَّ أنَّنا مأمورون أن نُجَمِّلَ الطاعات بظواهرها، بتمام الاتِّباعِ وكماله، لكن هناك شيءٌ آخر يَغْفُلُ عنه كثيرٌ من الناس؛ ويعتني به أربابُ السُّلوكِ، وهو تكميل الباطن؛ بحيث يركعُ القلبُ قبل رُكوع البدن، ويسجد قبل سجودِ البدن، ولكن قد يُقصِّر أربابُ السُّلوكِ الذين يعتنون بالبواطن في إصلاح الظواهر؛ فتجدهم يُخِلُّون كثيراً في إصلاح الظواهر، والكمال هو إصلاح الأمرين جميعاً؛
(١) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة، باب استحباب العفو والتواضع (٢٥٨٨) (٦٩).