للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ عَبدُ الله: تَعَاهَدُوا هَذِهِ المَصَاحِفَ - وَرُبَّمَا قَالَ:

ــ

يقم به نسيه (١). فإذا قال الإنسان: نسيت آية كيت فقد شهد على نفسه بالتفريط وترك معاهدته له، وهو ذنب عظيم؛ كما قال في حديث أنس الذي خرّجه الترمذي مرفوعًا: عرضت عليَّ أعمال أمتي، فلم أر ذنبًا أعظم من سورةٍ من القرآن، أو آية أوتيها رجل ثم نسيها (٢). وهو نصٌ، وعلى هذا فمتعلَّق الذم ترك ما أُمر به من استذكار القرآن وتعاهده، والنسيان علامة ترك ذلك، فعلق الذم عليه. ولا يقال: حفظ جميع القرآن ليس واجبًا على الأعيان، فكيف يذم من تغافل عن حفظه؟ ! لأنا نقول: من جمع القرآن فقد علت رتبته ومرتبته، وشرف في نفسه وقومه شرفًا عظيمًا، وكيف لا يكون ذلك، ومن حفظ القرآن فكأنما أدرجت النبوة بين كتفيه؟ ! وقد صار ممن يقال فيه: هو من أهل الله وخاصته، وإذا كان كذلك فمن المناسب تغليظ العقوبة على من أخل بمرتبته الدينية، ومؤاخذته بما لا يؤاخذ به غيره، كما قال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَف لَهَا العَذَابُ ضِعفَينِ}؛ لا سيما إذا كان ذلك الذنب مما يحبط تلك المنزلة ويسقطها؛ كترك معاهدة القرآن المؤدي به إلى الرجوع إلى الجهالة. ويدل على صحة هذا التأويل: قوله في آخر الحديث: بل هو نُسِّي. وهذا اللفظ رويناه مشدَّدًا مبنيًّا لما لم يسم فاعله، وقد سمعناه من بعض من لقيناه بالتخفيف، وبه ضُبِط عن أبي بحر، والتشديد لغيره، ولكل منهما وجهٌ صحيح. فعلى التشديد يكون معناه: أنه عوقب بتكثير النسيان عليه؛ لما تمادى في التفريط. وعلى التخفيف فيكون معناه: تَركه غير مُلتَفَتٍ إليه، ولا مُعتَنىً به، ولا مرحوم؛ كما قال الله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُم}؛ أي: تركهم في العذاب، أو تركهم من الرحمة.


(١) رواه مسلم (٧٨٩/ ٢٢٧) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
(٢) رواه أبو داود (٤٦١)، والترمذي (٢٩١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>