قوله كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء عليهم السلام، كلما هلك نبي خَلَفَهُ نبي، إسرائيل هو يعقوب عليه السلام، وبنوه أولاده وهم الأسباط، وهم كالقبائل في أولاد إسماعيل، قال ابن عباس: إسرا هو عبد، وإيل هو الله تعالى، فمعناه: عبد الله - وفيه لغات، وقيل: هو عِبرِيٌّ، اسم واحد بمعنى يعقوب.
ويعني بهذا الكلام أنّ بني إسرائيل كانوا إذا ظهر فيهم فساد أو تحريفٌ في أحكام التوراة بعد موسى بعث الله تعالى لهم نبيا يقيم لهم أمرهم ويصلح لهم حالهم، ويزيل ما غُيّرَ وبُدِّلَ من التوراة وأحكامها، فلم يزل أمرهم كذلك إلى أن قتلوا يحيى وزكريا (١) عليهما السلام، فقطع الله تعالى ملكهم وَبَدَّدَ شملهم ببختنصَّر وغيره، ثم جاءهم عيسى ثم محمد صلى الله عليهما وسلم فكذبوهما، {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ}؛ وهو في الدنيا ضَربُ الجزية ولزوم الصَّغار والذلة، وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ.
ولما كان نبينا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء بعثًا، وكتابه لا يقبل التغيير أسلوبًا ونظمًا، وقد تَوَلَّى الله تعالى كلامه صيانةً وحفظًا، وجعل علماء أمته قائمين ببيان مشكله وحفظ حروفه وإقامة أحكامه وحدوده، كما قال صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل
(١) في (ع): يحيى بن زكريا. والمثبت من (ج) و (ج ٢).