(قوله: أَن تَدعُو لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ) النِّدُّ: المِثلُ، وجمعه: أنداد، وهو نحو قوله تعالى: فَلَا تَجعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُم تَعلَمُونَ ومعناه: أنَّ اتِّخَاذَ الإنسانِ إلهًا غيرَ خالقِهِ المُنعِمِ عليه، مع علمه بأنَّ ذلك المُتَّخَذَ ليس هو الذي خلقَهُ، ولا الذي أنعَمَ عليه: مِن أقبَحِ القبائح، وأعظمِ الجهالات؛ وعلى هذا فذلك أكبَرُ الكبائر، وأعظَمُ العظائم.
و(قوله: أَن تَقتُلَ وَلَدَكَ؛ مَخَافَةَ أَن يَطعَمَ مَعَكَ) هذا مِن أعظمِ الذنوب؛ لأنَّه قتلُ نفسٍ محرَّمةٍ شرعًا، محبوبةٍ طبعًا، مرحومةٍ عادةً؛ فإذا قتلها أبوها، كان ذلك دليلاً على غلبةِ الجَهلِ والبُخل، وغِلَظِ الطبعِ والقسوة، وأنَّه قد انتهَى من ذلك كلِّه إلى الغاية القُصوَى.
وهذا نحو قوله تعالى: وَلَا تَقتُلُوا أَولَادَكُم مِن إِملَاقٍ أي: فقرٍ، وهذا خطابٌ لمن كان فقره حاصلاً في الحال، فيخفّف عنه بقتلِ ولدِهِ مؤنتُهُ مِن طعامه ولوازمه، وهذه الآية بخلافِ الآية الأخرى التي قال فيها: خَشيَةَ إِملَاقٍ؛ فإنَّه خطابٌ لمن كان واجدًا لما يُنفِقُ عليه في الحال؛ غيرَ أنَّه كان يقتله مخافةَ الفقر في ثاني حال، وكان بعضُ جفاةِ الأعرابِ وجُهَّالُهُم ربَّما يفعلون ذلك. وقد قيل: إنَّ الأولاد في هاتَينِ الآيتَينِ هم البنات، كانوا يدفنونهنَّ أحياءً؛ أَنَفَةً وكبرًا، ومخافةَ العَيلَةِ والمَعَرَّة، وهي الموءودةُ