اختلف في نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الوصال: فذهب قوم: إلى أنه محرم. وهو مذهب بعض أهل الظاهر في علمي. وذهب الجمهور: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، والثوري، وجماعة من أهل الفقه: إلى كراهته. وقد واصل جماعة من السَّلف، منهم: ابن الزبير وغيره. وأجازه ابن وهب، وإسحاق، وابن حنبل من سحر إلى سحر.
وسبب هذا الخلاف هو: هل محمل هذا النهي على الظاهر وهو التحريم، أو يصرف عن ظاهره إلى الكراهية؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد واصل بأصحابه بعد أن نهاهم فلم ينتهوا، ثم إذا حملناه على الكراهة فإنما هي لأجل ما يلحق من المشقة والضعف، فإذا أمن من ذلك، فهل يجوز أم تسدُّ الذريعة فلا يجوز.
وأما من خص جوازه بالسحر؛ فلما جاء في الحديث المذكور في الأصل؛ ولأن أَكلَةَ السحر يؤمن معها الضعف والمشقة التي لأجلها كره الوصال.
وقوله:(إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)؛ حمله قوم على ظاهره، وهو: أن الله يطعمه طعامًا، ويسقيه شرابًا حقيقة من غير تأويل. وليس بصحيح؛ لأنه لو كان كذلك لما صدق عليه قولهم:(إنك تواصل)، ولا ارتفع اسم الوصال عنه؛ لأنه حينئذ كان يكون مفطرًا، وكان يخرج كلامه عن أن يكون جوابًا لما سُئل عنه؛ ولأن