[١٧] عَن أَبِي هُرَيرَةَ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَاستُخلِفَ أبو بَكرٍ - رضي الله عنه - بَعدَهُ، وَكَفَرَ مَن كَفَرَ مِنَ العَرَبِ،
(قوله: وَكَفَرَ مَن كَفَرَ مِنَ العَرَبِ) قال ابنُ إسحاق: لمَّا قُبِضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ارتدَّتِ العربُ إلَاّ ثلاثةَ مساجدَ: مسجدَ المدينةِ، ومسجدَ مَكَّةَ، ومسجدَ جُؤاثَا.
قال القاضي أبو الفضلِ عِيَاضٌ: كان أهلُ الردَّةِ ثلاثةَ أصناف: فصنفٌ كفَرَ بعد إسلامه، وعاد لجاهليته، واتَّبَعَ مُسَيلِمَة والعَنسِيَّ، وصدَّقَ بهما. وصنفٌ أقرَّ بالإسلام إلا الزكاة فجحدها، وتأوَّلَ بعضُهُم أنَّ ذلك كان خاصًّا للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لقولِهِ تعالى: خُذ مِن أَموَالِهِم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُم وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيهِم إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُم وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، وصنفٌ اعترَفَ بوجوبِها، ولكنِ امتنع مِن دفعها إلى أبي بكر، فقال: إنما كان قَبضُهَا للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - خاصَّةً لا لغيره، وفرَّقوا صدقاتِهم بأيديهم، فرأى أبو بَكرٍ والصحابةُ قتالَ جميعِهم، الصِّنفانِ الأَوَّلانِ لِكُفرهم، والثالثُ لامتناعهم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: وهذا الصنفُ الثالثُ هم الذين أشكَلَ أمرُهم على عمر، فباحَثَ أبا بكرٍ في ذلك حتَّى ظهَرَ له الحقُّ الذي كان ظاهرًا لأبي بكر، فوافقه على ذلك؛ ولذلك قال: فَوَاللهِ! مَا هو إِلا أَن رَأَيتُ اللهَ قَد شَرَحَ صَدرَ أَبِي بَكرٍ لِلقِتَالِ؛ فَعَرَفتُ أنّهُ الحَقُّ، أي: ظَهَرَ له من الدليل، وحصَلَ له من ثَلَجِ الصدر وانشراحِهِ لذلك، مثلُ الذي حصَلَ لأبي بكر، لأنَّه قلَّده واتَّبَعَهُ بعد ظهور الدليل؛ لأنَّ التقليد لا ينشرحُ به الصدرُ، ولا يُعرَفُ به الحقُّ، ولأنه لا يجوزُ لمجتهدٍ أن