(٥٩) ومن باب ما جاء في رؤية الله تعالى في الدار الآخرة
(قوله: ما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكِبرياء على وجهه) الرداء هُنا: استعارة كَنى بها عن كبريائه وعظمته، كما قال في الحديث الآخر: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري (١) وليست العظمة والكبرياء من جنس الثياب المحسوسة، وإنّما هي توسُّعات، ووجه المناسبة أنّ الرداء والإزار لَمّا كانا ملازمين للإنسان مخصوصين به لا يشاركه فيهما غيره، عبّر عن عظمة الله وكبريائه بهما؛ لأنّهما ممّا لا يجوز مشاركة الله فيهما. ألا ترى آخرَ الحديث: فمن نازَعَني واحدًا منهما قَصَمتُه ثمّ قذفتُه في النار.
ومعنى حديث أبي موسى أنّ مقتضى جَبَرُوت الله تعالى وكبريائه وعزّته واستغنائه ألا يراه أحدٌ ولا يعبأ بأحد ولا يلتفت إليه، لكن لطفه وكرمه بعباده المؤمنين ورحمته لهم، وعوده عليهم، يقتضي أن يمنّ عليهم بأن يُريهم وجهه؛ إبلاغًا في الإنعام وإكمالاً للامتنان، فإذا كشف عنهم الموانع وأراهم وجهه الكريم، فقد فعل معهم خلاف مقتضى الكبرياء، فكأنه قد رفع عنهم حجابًا يمنعهم.