(قوله: أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها) هذا الرَّجل هو معاذ بن جبل. وكان غرماؤه يهود، فكلمهم النبي صلى الله عليه وسلم في أن يخففوا عنه، أو ينظروه، فأبوا، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكر. وظاهر هذا الحديث: أن الجائحة أتت على كل الثمرة، حتى لم يبق له منها ما يباع عليه، فقد ثبتت عسرته. فحكمه الإنظار إلى الميسرة، كما قال الله تعالى (١). فمن كان كذلك فلا يحبس مثله خلافًا لشريح؛ فإنه قال: يحبس أبدًا، ولا يلازم. خلافًا لأبي حنيفة؛ فإنه قال: يلازم لإمكان أن يظهر له مال، ولا يكلَّف أن يكتسب، لا هو ولا مستولدته. وهذا كلّه مردود بنص القرآن، وبقوله صلى الله عليه وسلم لغرماء معاذ:(خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك). ولا يجب أن يتصدق عليه، ومن فعل ذلك، أو حضَّ عليه كان خيرًا له، وفيه ثواب كثير؛ لأنه سعى في تخليص ذمة المسلم من المطالبة المستقبلة، أو من الإثم اللاحق بتأخير الأداء عند الإمكان إن كان قد وقع ذلك. وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بمعاذ ليتبين خصومه: أنه ليس عنده شيء، ولتطيب قلوبهم بما أخذوا، فيسهل عليهم ترك ما بقي، وليخف الدَّين عن معاذ، وليتشارك المتصدقون في أجر المعونة وثوابها. وليكن ذلك سُنَّة حسنة.
وفيه ما يدل على نسخ بيع الجزء في الدَّين، كما كان في أول الإسلام. وعلى نسخه تدل الآية، والإجماع.
(١) يشير المصنف -رحمه الله- إلى قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠].