كعبيه في جهة، وكل من يبلغ حقويه في جهة، وهكذا. والقدرة صالحة لأن تمسك عرق كل إنسان عليه بحسب عمله، فلا يتصل بغيره، وإن كان بإزائه، كما قد أمسك جرية البحر لموسى - عليه السلام - حيث طلب لقاء الخضر، ولبني إسرائيل حين اتبعهم فرعون، والله تعالى أعلم بالواقع من هذه الأوجه. والحاصل أن هذا المقام مقام هائل لا تفي بهوله العبارات، ولا تحيط به الأوهام، ولا الإشارات، وأبلغ ما نطق به في ذلك الناطقون:{قُل هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُم عَنهُ مُعرِضُونَ}
و(قوله: من حوسب يوم القيامة عذب) يعني حساب مناقشة ومطالبة، كما قال في اللفظ الآخر: من نوقش المحاسبة. والمناقشة: الاستقصاء في المطالبة بالجليل والحقير، والصغير والكبير، وترك المسامحة في شيء من ذلك. قال الهروي: يقال: انتقشت منه حقي؛ أي: استقصيته منه.
و(قوله: عذب) ظاهره: عذاب النار جزاء عن سيئات ما أظهره حسابه. ويدل على ذلك قوله هلك أي بالعذاب في النار. ويجوز أن يكون عذاب بعض من يناقش نفس المناقشة، وما يلازمها من التوبيخ واللوم، ثم يغفر الله تعالى، كما حكي أن بعض الصالحين رؤي في النوم بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: حاسبونا فدققوا، ثم منوا فأعتقوا. واعتراض عائشة - رضي الله عنها - بقول الله تعالى:{فَسَوفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} إنما حملها عليه أنها تمسكت بظاهر لفظ الحساب؛ لأنَّه يتناول القليل والكثير، ولو سمعت لفظ المناقشة لما وقع لها ذلك، والله تعالى أعلم.