قوله:(كان الناس ينصرفون في كل وجهٍ)؛ أي: يتفرقون من غير أن يودعوا البيت، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك بقوله:(لا ينفرنَّ أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت)؛ فظاهر هذا: أن طواف الوداع واجب على كل حاجٍّ أو معتمر غير مكيّ. وإليه ذهب أبو حنيفة، لكن أزال هذا الظاهر حديث صفية، حيث رخص لها في تركه لَمَّا حاضت، ففهم منه: أنه ليس على جهة الوجوب. وهو مذهب الجمهور.
ثم من تركه فهل يلزمه دم أو لا يلزمه شيء؟ فقال أبو حنيفة، والشافعي - في أحد قوليه -: إنه يلزمه دم. وقال مالك: لا يلزمه دم. وهو الصحيح؛ لأن صفية لم يأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بشيء من ذلك. ولو كان ذلك لازمًا؛ لما جاز السكوت عنه؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. والله أعلم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - لصفية - لَمَّا أعلمته أنها حاضت -: (انفري)؛ دليل على أن الحائض يجزئها طواف الإفاضة عن طواف الوداع. وعلى هذا جماعة الفقهاء إلا خلافًا شاذًّا روي عن بعض السلف: أنها لا تنفر حتى تودع. والحديث حجة عليهم.