للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم هاجرَ القرطبيُّ من الأندلس بعد أن أتمَّ سماعَه من شيوخ قرطبة.

وبعد أن بلغَ شأوًا من العلم، يُتيح له أن يتصدَّر حلقاتِ العلم في دَوْحات قرطبة الخضراء، وفي حلقات مساجدها الجميلة مدرِّسًا ومُحدِّثًا (١).

ولا شد أنه أتمَّ في طريق هجرته سماعَه على الشيوخ الكبار في كلٍّ من فاس وتلمسان (٢) وغيرهما من مدن المغرب، قبلَ أن يُلْقيَ عَصا التَّسيارُ في الإسكندرية.

ولم يتحدَّثْ القرطبي عن الأندلس في كتابه "المفهم" إلا في مناسبة واحدة، أشارَ فيها إلى أحوال أهلها التي أدَّتْ إلى سقوطها وضياعها:

"وقد كثر ذلك - أي: إخافة الطرق بإظهار السِّلاح قصدًا للغلبة على الفروج - في بلاد الأندلس، في هذه المدة القريبة، وظهرَ فيهم ظهورًا فاحشًا، بحيث اشتركَ فيه الشبَّانُ بالفعل، وأشياخهم بالإقرار عليه، وترك الإنكار، فسلَّطَ الله عليهم عدوَّهم، فأهلكهم، واستولى على بلادهم، فإنا لله وإنا إليه راجعون".

[٢ - عالم الإسكندرية]

استقرَّ المقام بأبي العبَّاس في ثغر الإسكندرية مُطِّلًا على البحر الكبير (المتوسط) يتنسَّمُ من رَوْح شواطئه الرحبة عبيرَ الأندلس الحبيب، وأريجَ المغرب العربي الكبير.

وقدْ شمَّر القرطبي في موطنه الأخير الإسكندرية، عن ساعد الجد والاجتهاد في طلب العلم من علماء المشرق، وتحصيل السماعات والإجازات


(١) الوافي بالوفيات؛ للصفدي (٧/ ٢٦٥).
(٢) الديباج، لابن فرحون (ص ٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>