رواه أحمد (٥/ ٨٩)، ومسلم (٢٢٧٧)، والترمذيُّ (٣٦٢٤).
ــ
(٢) ومن باب: شواهد نبوة نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ
قوله: إني لأعرف حجرًا كان يسلِّم عليَّ قبل أن أبعث) يعني: أنه كان يسلِّم عليه بالنبوة والرسالة قبل أن يشافهه الملك بالرسالة. ذكر العلماء بسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأحواله: أنه كان من لطف الله بنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن قدَّم له مقدِّمات، وخصَّه ببشائر وكرامات، درَّجَهُ بذلك إلى أطوارٍ، لينقطع بذلك عن مألوفات الأغمار (١)، ويتأهل على تدريج لقبول ما يُلقى إليه، ولتسهُيل مشافهة الملك عليه، فكان صلى الله عليه وسلم يرى ضياءً وأنوارًا، ويسمع تسليمًا وكلامًا، ولا يرى أشخاصًا، فيسمع الحجارة والشجر تناديه، ولا يرى أحدًا يناجيه، إلى أن استوحش من الخلق، ففرَّ إلى الحق، فحُبِّبت إليه الخلوة، فكان سبب هذه الحبوة، مشافهة الملك فقبل فملك، وقد قدَّمنا: أن الصحيح من مذاهب أئمتنا: أن كلام الجمادات راجع إلى أن الله تعالى يخلق فيها أصواتًا مقطعة من غير مخارج، يفهم منها ما يفهم من الأصوات الخارجة من مخارج الفم، وذلك ممكن في نفسه. والقدرة القديمة لا قصور فيها، فقد أخبر بها الصادق، فيجب له التصديق. كيف لا؟ وقد سمع من حضر تسبيح الحصى في كفه، وحنين الجذع والمسجد قد غصَّ بأهله.
و(قوله: إني لأعرفه الآن) يعني: أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان وقت حدَّثهم بهذا الحديث
(١) "الأغمار": جمع غُفر، وهو مَن لم يُجرِّب الأمور.