و(قوله: ما من الأنبياء نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنَّما كان الذي أوتيته وحيًا) يعني: أن كل رسول أُيِّد بمعجزة تدل على صحة رسالته، فيظهر صدقه، وتثبت حجَّته، كما قد علم من أحوالهم، بما أخبرنا الله به وبينه عنهم، غير أن معجزاتهم تنقرض بانقراضهم، فلا يبقى منها بعدهم إلا الإخبار بها، وذلك قد يخفى مع توالي الأعصار.
ونبيُّنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإن كان قد أعطي من كل نوع من أنواع معجزات الأنبياء قبله، كما قد أوضحناه في كتابنا المسمَّى بـ الإعلام بصحة نبوة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، لكنه فضل على جميعهم بالمعجزة العظمى الباقية ما بقيت الدنيا، وهي: الكتاب العزيز الذي أعجزت السورة منه الجن والإنس أيَّ تعجيز، فإعجازه مشاهد بالعيان، متجدد ما تعَاقَب الجديدان، فمن ارتاب الآن في صدق قوله، قيل له: فائت بسورة من مثله، ولما كانت هذه المعجزة قاطعة الظهور، مستمرة مدى الدهور، اشترك في معرفتها المتقدِّمون والمتأخرون، واستوى في معرفة صدق محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ: السَّابقون واللاحقون، فدخل العقلاء في دينه دخولًا متتابعًا، وحقق الله تعالى له رجاءه، فكان أكثر الأنبياء تابعًا.