(٤٥) وَمِن بَابِ مَن قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فهو شَهِيدٌ.
دُونَ في أصلها ظرفُ مكانٍ، بمعنى: أَسفَلَ وتَحتَ، وهي نقيضُ فَوق، وقد استُعمِلَت في هذا الحديث بمعنى لِأَجلِ السببيةِ، وهو مجازٌ وتوسُّعٌ، ووجهه: أنَّ الذي يُقَاتِلُ على ماله، إنما يجعله خَلفَهُ أو تحته، ثم يقاتِلُ عليه.
وقال ابن الأنباريِّ: سمِّي بذلك؛ لأنَّ اللهَ تعالى وملائكتَهُ شَهِدُوا له الجنَّة. وقيل: لأنَّه يُشهَدُ يومَ القيامةِ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وقيل: لأنَّه يُشَاهِدُ ما أَعَدَّ اللهُ له من الكرامة؛ كما قال تعالى: فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ.
و(قوله: لَا تُعطِهِ مَالَكَ وقَاتِلهُ) دليلٌ على أنَّ المُحَارِبَ لا يجوزُ أن يُعطي شيئًا له بالٌ من المال إذا طلبَهُ على وجه الحِرَابَةِ ما أمكن، لا قليلاً ولا كثيرًا، وأنَّ المُحَارِبَ يجبُ قتالُهُ؛ ولذلك قال مالك: قِتَالُ المحارِبِينَ جهادٌ، وقال ابن المنذر: عَوَامُّ (١) العلماءِ على قتالِ المحارِبِ على كُلِّ وجهٍ، ومدافعتِهِ عن المالِ والأهلِ والنَّفس.