يَصِلُوا إلى بني قريظة. وعجَّلوا السَّير، فجمعوا بين المقصودين، فأقرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كلًا منهم على ما ظهر له من اجتهاده، فكان فيه حجَّة لمن يقول: إنَّ كلَّ مجتهد مصيبٌ؛ إذ لو كان أحد الفريقين مخطئًا لعيَّنه النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويمكن أن يقال: إنه إنما سكت عن تعيين المخطئ؛ لأنَّه غير آثم، بل مأجور، فاستغنى عن تعيينه، والله أعلم.
[(٦) ومن باب: اختلاف المجتهدين بالحكم لا ينكر] (١)
(قوله: فتحاكمتا إلى داود فقضى به للكبرى) قد أشكل هذا على كثير من الشارحين، حتى قال بعضهم: إن هذا لم يكن من داود حكمًا، وإنَّما كان فتيا. وهذا فاسدٌ لنصِّه؛ على أنه قضى، ولأن فتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - وحكمه سواء؛ إذ يجب تنفيذ ذلك. وقالت طائفة أخرى: إن ذلك كان من شرع داود أن يحكم به للكبرى؛ يعني: من حيث هي كبرى. وهذا أيضًا فاسدٌ؛ لأنَّ اللفظ ليس نصًّا في ذلك، ولأن الكُبر والصغر طَردٌ محض عند الدعاوي، كالطول والقصر، والسّواد والبياض؛ إذ لا يوجب شيء من ذلك ترجيح أحد المتداعيين، حتى يحكم له، أو عليه لأجل ذلك، وهذا مما يقطع به من فهم ما جاءت به الشرائع، كما بيَّنَّاه في الأصول، والذي ينبغي أن يقال: إن داود - عليه السلام - إنما حكم للكبرى لسبب اقتضى عنده
(١) ما بين حاصرتين ليس في الأصول، واستدرك من التلخيص.